سؤال القبر
اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسأل
بعد موته ، قبر أم لم يقبر ،
فلو أكلته السباع أو احرق حتى صار رمادا ونسف في
الهواء أو غرق في البحر لسئل عن أعماله ، وجوزي بالخير خيرا وبالشر شرا ، وأن
النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا .
قال ابن القيم :
مذهب سلف الامة وائمتها ان الميت إذا مات ، يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل
لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن ، منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل
بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى
أعيدت الارواح إلى الاجساد ، وقاموا من قبورهم لرب العالمين .
ومعاد الابدان متفق
عليه بين المسلمين واليهود والنصارى .
وقال المروزي : قال أبو عبد الله يعني الامام أحمد: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل .
وقال حنبل : قلت
لابي عبد الله في عذاب القبر . فقال : هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها ، وكل ما
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به ، فإنا إذ لم نقر بما جاء
به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفعناه ورددناه ، رددنا على الله أمره قال
الله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) .
قلت له : وعذاب
القبر حق ؟ قال : حق . يعذبون في القبور .
قال : وسمعت أبا
عبد الله يقول : نؤمن بعذاب القبر ، وبمنكر ونكير ، وأن العبد يسأل في قبره : فـ
( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) في القبر .
وقال أحمد بن
القاسم : قلت : يا أبا عبد الله ، تقر بمنكر ونكير ، وما يروى في عذاب القبر ؟
فقال : سبحان الله . . . نعم نقر بذلك ونقوله .
قلت هذه اللفظة
تقول : منكر ونكير هكذا . أو تقول : ملكين ؟ قال منكر ونكير .
قلت : يقولون : ليس
في حديث منكر ونكير . قال : هو هكذا يعني أنهما منكر ونكير .
قال الحافظ في الفتح
: وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط ، من غير عود إلى
الجسد .
وخالفهم الجمهور
فقالوا : تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث ،
ولو كان على الروح
فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه . لان
الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال . كما هو قادر على أن
يجمع أجزاءه . والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط ، أن الميت قد يشاهد
في قبره حال المسألة لا أثر فيه ، من إقعاد ولاغيره ولاضيق في قبره ولاسعة ، وكذلك
غير المقبور كالمصلوب . وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة : بل له نظير في
العادة . وهو النائم . فإنه يجد لذة ، وألما لا يدركه جليسه ، بل اليقظان قد يدرك
ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ، ولا يدرك ذلك جليسه وإنما أتى الغلط من قياس
الغائب على الشاهد ، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله .
والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم
عن مشاهدة ذلك وستره عنهم ، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا ، وليست للجوارح الدنيوية
قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله .
وقد ثبتت الاحاديث بما ذهب إليه الجمهور ، كقوله :
" إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله : " تختلف أضلاعه لضمة القبر ،
وقوله : " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق " وقوله : " يضرب بين أذنيه
" وقوله : " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الاجساد ونحن نذكر بعض ما
ورد في ذلك من الاحاديث الصحيحة :
1 - روى مسلم عن
زيد بن ثابت قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على
بغلته ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه فإذا قبر ستة ، أو خمسة ، أو أربعة ، فقال
: " من يعرف أصحاب هذه القبور ؟ " فقال رجل : أنا . قال : " فمتى
مات هؤلاء " ؟ قال : ماتوا في الاشراط . فقال : " ان هذه الامة تبتلى في
قبورها . فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه
" ثم أقبل علينا بوجهه .
فقال : "
تعوذوا بالله من عذاب النار . " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ،
قال : "
تعوذوا بالله من عذاب القبر " . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ،
قال : "
تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " . قالوا : نعوذ بالله من الفتن
ما ظهر منها وما بطن .
قال : "
تعوذوا بالله من فتنة الدجال . " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال .
2 - وروى البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس : أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه
، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاد ملكان فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا
الرجل ؟ - لمحمد –
فأما المؤمن فيقول
: أشهد أنه عبد الله ورسوله .
قال : فيقولان :
أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، فيراهما جميعا .
وأما الكافر ،
والمنافق ، فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟
فيقول : لا أدري ،
كنت أقول ما يقول الناس . فيقولان . لادريت ولاتليت ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة
فيصيح صيحة فيسمعها فيسمعها من يليه ، غير الثقلين .
3 – وروى البخاري
ومسلم وأصحاب السنن عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
" المسلم إذا سئل في قبره فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،
فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الاخرة ) وفي لفظ : نزلت في عذاب القبر . يقال له : من ربك ؟ فيقول : الله ربي ،
ومحمد نبيي ، فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة
الدنيا وفي الاخرة ) " .
4 - وفي مسند الامام أحمد وصحيح أبي حاتم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق
نعالهم حين يولون عنه . فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، والصيام عن يمينه ،
والزكاة عن شماله ، وكان فعل الخيرات من الصدقة ، والصلة ، والمعروف والاحسان ،
عند رجليه ، فيؤتى من قبل رأسه ، فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل ثم يؤتى من يمينه ،
فيقول الصيام : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى من يسارد ، فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل .
ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان :
ما قبلي مدخل فيقال له : اجلس فيجلس ، قد مثلت له الشمس وقد أخذت للغروب ،
فيقال له : هذا
الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟
فيقول : دعوني حتى
أصلي ، فيقولان : إنك ستصلي ، أخبرنا عما نسألك عنه ؟ أرأيتك هذا الرجل الذي كان
فيكم ما تقول فيه ؟ وما تشهد به عليه ؟
فيقول : محمد .
أشهد أنه رسول الله جاء بالحق من عند الله ، فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك
مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ، ثم يفتح له باب إلى الجنة .
فيقال له : هذا
مقعدك وما أعد الله لك فيها . فيزداد غبطة وسرورا . ثم يفسح له في قبره سبعون
ذراعا وينور له فيه ، ويعاد الجسد لما بدئ منه ، وتجعل نسمته في النسيم الطيب ،
وهي طير معلق في شجر الجنة ، قال : فذلك قول الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ) . وذكر في الكافر ضد ذلك إلى أن قال
: " ثم يضيق عليه في قبره إلى أن تختلف فيه أضلاعه ، فتلك المعيشة الضنك التي
قال الله تعالى : ( فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) " .
5 - وفي صحيح
البخاري عن سمرة بن جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل
علينا بوجهه فقال : " من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ " قال : فإن رأى أحد
رؤيا قصها ، فيقول : " ما شاء الله " فسألنا يوما ، فقال : " هل
رأى أحد منكم رؤيا ؟ " قلنا : لا .
قال : " لكني
رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي ، وأخرجاني إلى الارض المقدسة ، فإذا رجل
جالس . ورجل قائم بيده كلوب من حديد ، يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل
بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله ،
قلت : ما هذا ؟
قالا : انطلق ،
فانطلقنا حتى أتينا
على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بصخرة أو فهر فيشدخ بها رأسه . فإذا
ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه
كما هو ، فعاد إليه فضربه .
قلت : ماهذا ؟ قالا
: انطلق .
فانطلقنا إلى نقب
مثل التنور ، أعلاه ضيق ، وأسفله واسع ، يوقد تحته نار . فإذا فيه رجال ونساء عراة
فيأتيهم اللهب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجوا فإذا خمدت رجعوا .
فقلت : ماهذا ؟ قالا : انطلق .
فانطلقنا حتى أتينا
على نهر من دم ، فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل
الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل
كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر ، فرجع كما كان .
فقلت : ما هذا ؟
قالا : انطلق .
فانطلقنا وأدخلاني
دارا لم أر قط أحسن منها . فيها شيوخ وشبان ، ثم صعداني ، فأدخلاني دارا هي أحسن
وأفضل ،
قلت : طوفتماني
الليلة فأخبراني عما رأيت ؟
قالا : نعم ، الذي
رأيته يشق شدقه كذاب يحدث بالكذبة . فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم
القيامة ،
والذي رأيته يشدخ
رأسه ، فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ، ولم يعمل به بالنهار ، يفعل به
إلى يوم القيامة .
وأما الذي رأيته في
النقب فهم الزناة ،
والذي رأيته في
النهر فآكل الربا ،
وأما الشيخ الذي في
أصل الشجرة فإبراهيم ،
وأما الصبيان حوله
فأولاد الناس ، والذي يوقد النار ، فمالك خازن النار ، والدار الاولى دار عامة
المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ،
وأنا جبريل وهذا
ميكائيل ، فارفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا قصر مثل السحابة ،
قالا : ذلك منزلك ،
قلت دعاني أدخل منزلي ،
قالا : إنه بقي لك
عمر لم تستكمله ، فلو استكملته أتيت منزلك "
قال ابن القيم :
وهذا نص في عذاب البرزخ ، فإن رؤيا الانبياء وحي مطابق لما في نفس الامر .
6 - وروى الطحاوي
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أمر بعبد من عباد الله أن
يضرب في قبره مائة جلدة ، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة ، فامتلا قبره
عليه نارا فلما ارتفع عنه أفاق ،
قال : علام
جلدتموني ؟ قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره " .
7 - وعن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع
صوتا من قبر ، فقال : " متى مات هذا ؟ " فقالوا : مات في الجاهلية فسر
بذلك وقال : " لولا أن لاتدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر "
رواه النسائي ومسلم .
8 - وعن ابن عمر
رضي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذا الذي تحرك له العرش وفتحت
له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة ، لقد ضم ضمة ، ثم فرج عنه "
رواه البخاري ومسلم والنسائي .
اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسأل
بعد موته ، قبر أم لم يقبر ،
فلو أكلته السباع أو احرق حتى صار رمادا ونسف في
الهواء أو غرق في البحر لسئل عن أعماله ، وجوزي بالخير خيرا وبالشر شرا ، وأن
النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا .
قال ابن القيم :
مذهب سلف الامة وائمتها ان الميت إذا مات ، يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل
لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن ، منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل
بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى
أعيدت الارواح إلى الاجساد ، وقاموا من قبورهم لرب العالمين .
ومعاد الابدان متفق
عليه بين المسلمين واليهود والنصارى .
وقال المروزي : قال أبو عبد الله يعني الامام أحمد: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل .
وقال حنبل : قلت
لابي عبد الله في عذاب القبر . فقال : هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها ، وكل ما
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به ، فإنا إذ لم نقر بما جاء
به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفعناه ورددناه ، رددنا على الله أمره قال
الله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) .
قلت له : وعذاب
القبر حق ؟ قال : حق . يعذبون في القبور .
قال : وسمعت أبا
عبد الله يقول : نؤمن بعذاب القبر ، وبمنكر ونكير ، وأن العبد يسأل في قبره : فـ
( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) في القبر .
وقال أحمد بن
القاسم : قلت : يا أبا عبد الله ، تقر بمنكر ونكير ، وما يروى في عذاب القبر ؟
فقال : سبحان الله . . . نعم نقر بذلك ونقوله .
قلت هذه اللفظة
تقول : منكر ونكير هكذا . أو تقول : ملكين ؟ قال منكر ونكير .
قلت : يقولون : ليس
في حديث منكر ونكير . قال : هو هكذا يعني أنهما منكر ونكير .
قال الحافظ في الفتح
: وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط ، من غير عود إلى
الجسد .
وخالفهم الجمهور
فقالوا : تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث ،
ولو كان على الروح
فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه . لان
الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال . كما هو قادر على أن
يجمع أجزاءه . والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط ، أن الميت قد يشاهد
في قبره حال المسألة لا أثر فيه ، من إقعاد ولاغيره ولاضيق في قبره ولاسعة ، وكذلك
غير المقبور كالمصلوب . وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة : بل له نظير في
العادة . وهو النائم . فإنه يجد لذة ، وألما لا يدركه جليسه ، بل اليقظان قد يدرك
ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ، ولا يدرك ذلك جليسه وإنما أتى الغلط من قياس
الغائب على الشاهد ، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله .
والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم
عن مشاهدة ذلك وستره عنهم ، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا ، وليست للجوارح الدنيوية
قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله .
وقد ثبتت الاحاديث بما ذهب إليه الجمهور ، كقوله :
" إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله : " تختلف أضلاعه لضمة القبر ،
وقوله : " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق " وقوله : " يضرب بين أذنيه
" وقوله : " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الاجساد ونحن نذكر بعض ما
ورد في ذلك من الاحاديث الصحيحة :
1 - روى مسلم عن
زيد بن ثابت قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على
بغلته ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه فإذا قبر ستة ، أو خمسة ، أو أربعة ، فقال
: " من يعرف أصحاب هذه القبور ؟ " فقال رجل : أنا . قال : " فمتى
مات هؤلاء " ؟ قال : ماتوا في الاشراط . فقال : " ان هذه الامة تبتلى في
قبورها . فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه
" ثم أقبل علينا بوجهه .
فقال : "
تعوذوا بالله من عذاب النار . " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ،
قال : "
تعوذوا بالله من عذاب القبر " . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ،
قال : "
تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " . قالوا : نعوذ بالله من الفتن
ما ظهر منها وما بطن .
قال : "
تعوذوا بالله من فتنة الدجال . " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال .
2 - وروى البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس : أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه
، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاد ملكان فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا
الرجل ؟ - لمحمد –
فأما المؤمن فيقول
: أشهد أنه عبد الله ورسوله .
قال : فيقولان :
أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، فيراهما جميعا .
وأما الكافر ،
والمنافق ، فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟
فيقول : لا أدري ،
كنت أقول ما يقول الناس . فيقولان . لادريت ولاتليت ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة
فيصيح صيحة فيسمعها فيسمعها من يليه ، غير الثقلين .
3 – وروى البخاري
ومسلم وأصحاب السنن عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
" المسلم إذا سئل في قبره فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،
فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الاخرة ) وفي لفظ : نزلت في عذاب القبر . يقال له : من ربك ؟ فيقول : الله ربي ،
ومحمد نبيي ، فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة
الدنيا وفي الاخرة ) " .
4 - وفي مسند الامام أحمد وصحيح أبي حاتم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق
نعالهم حين يولون عنه . فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، والصيام عن يمينه ،
والزكاة عن شماله ، وكان فعل الخيرات من الصدقة ، والصلة ، والمعروف والاحسان ،
عند رجليه ، فيؤتى من قبل رأسه ، فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل ثم يؤتى من يمينه ،
فيقول الصيام : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى من يسارد ، فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل .
ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان :
ما قبلي مدخل فيقال له : اجلس فيجلس ، قد مثلت له الشمس وقد أخذت للغروب ،
فيقال له : هذا
الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟
فيقول : دعوني حتى
أصلي ، فيقولان : إنك ستصلي ، أخبرنا عما نسألك عنه ؟ أرأيتك هذا الرجل الذي كان
فيكم ما تقول فيه ؟ وما تشهد به عليه ؟
فيقول : محمد .
أشهد أنه رسول الله جاء بالحق من عند الله ، فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك
مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ، ثم يفتح له باب إلى الجنة .
فيقال له : هذا
مقعدك وما أعد الله لك فيها . فيزداد غبطة وسرورا . ثم يفسح له في قبره سبعون
ذراعا وينور له فيه ، ويعاد الجسد لما بدئ منه ، وتجعل نسمته في النسيم الطيب ،
وهي طير معلق في شجر الجنة ، قال : فذلك قول الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ) . وذكر في الكافر ضد ذلك إلى أن قال
: " ثم يضيق عليه في قبره إلى أن تختلف فيه أضلاعه ، فتلك المعيشة الضنك التي
قال الله تعالى : ( فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) " .
5 - وفي صحيح
البخاري عن سمرة بن جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل
علينا بوجهه فقال : " من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ " قال : فإن رأى أحد
رؤيا قصها ، فيقول : " ما شاء الله " فسألنا يوما ، فقال : " هل
رأى أحد منكم رؤيا ؟ " قلنا : لا .
قال : " لكني
رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي ، وأخرجاني إلى الارض المقدسة ، فإذا رجل
جالس . ورجل قائم بيده كلوب من حديد ، يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل
بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله ،
قلت : ما هذا ؟
قالا : انطلق ،
فانطلقنا حتى أتينا
على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بصخرة أو فهر فيشدخ بها رأسه . فإذا
ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه
كما هو ، فعاد إليه فضربه .
قلت : ماهذا ؟ قالا
: انطلق .
فانطلقنا إلى نقب
مثل التنور ، أعلاه ضيق ، وأسفله واسع ، يوقد تحته نار . فإذا فيه رجال ونساء عراة
فيأتيهم اللهب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجوا فإذا خمدت رجعوا .
فقلت : ماهذا ؟ قالا : انطلق .
فانطلقنا حتى أتينا
على نهر من دم ، فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل
الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل
كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر ، فرجع كما كان .
فقلت : ما هذا ؟
قالا : انطلق .
فانطلقنا وأدخلاني
دارا لم أر قط أحسن منها . فيها شيوخ وشبان ، ثم صعداني ، فأدخلاني دارا هي أحسن
وأفضل ،
قلت : طوفتماني
الليلة فأخبراني عما رأيت ؟
قالا : نعم ، الذي
رأيته يشق شدقه كذاب يحدث بالكذبة . فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم
القيامة ،
والذي رأيته يشدخ
رأسه ، فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ، ولم يعمل به بالنهار ، يفعل به
إلى يوم القيامة .
وأما الذي رأيته في
النقب فهم الزناة ،
والذي رأيته في
النهر فآكل الربا ،
وأما الشيخ الذي في
أصل الشجرة فإبراهيم ،
وأما الصبيان حوله
فأولاد الناس ، والذي يوقد النار ، فمالك خازن النار ، والدار الاولى دار عامة
المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ،
وأنا جبريل وهذا
ميكائيل ، فارفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا قصر مثل السحابة ،
قالا : ذلك منزلك ،
قلت دعاني أدخل منزلي ،
قالا : إنه بقي لك
عمر لم تستكمله ، فلو استكملته أتيت منزلك "
قال ابن القيم :
وهذا نص في عذاب البرزخ ، فإن رؤيا الانبياء وحي مطابق لما في نفس الامر .
6 - وروى الطحاوي
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أمر بعبد من عباد الله أن
يضرب في قبره مائة جلدة ، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة ، فامتلا قبره
عليه نارا فلما ارتفع عنه أفاق ،
قال : علام
جلدتموني ؟ قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره " .
7 - وعن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع
صوتا من قبر ، فقال : " متى مات هذا ؟ " فقالوا : مات في الجاهلية فسر
بذلك وقال : " لولا أن لاتدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر "
رواه النسائي ومسلم .
8 - وعن ابن عمر
رضي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذا الذي تحرك له العرش وفتحت
له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة ، لقد ضم ضمة ، ثم فرج عنه "
رواه البخاري ومسلم والنسائي .