الكرامةُ
ابتلاءٌ
وكذلك الكراماتُ امتحانٌ وابتلاءٌ ، كالمُلْكِ
والسُّلطانِ والمالِ ، قال تعالى عنْ نبيِّه سليمان لمَّا رأى عِرش بلقيس عنده : ﴿ هَذَا مِن
فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ ، فهو
سبحانه يُسْدِي النعمة ليرى منْ قبِلها بقبُولٍ حسن ، وشكرها وحفظها ، وثمَّرها
وانتفع ونفع بها ، ومنْ أهلها وعطَّلها ، وكفرهاً وصرفها في مُحاربةِ المعطي ،
واستعان بها في مُحادّةِ الواهبِ جلِّ في عُلاهُ .
فالنِّعمُ ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ ، يظهرُ
بها شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ . كما أنَّ المحنَ منهُ سبحانه ، فهو يبتلي
بالنعمِ كما يبتلي بالمصائبِ قال تعالى : ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ
رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ{15} وَأَمَّا إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ{16} كَلَّا
....
﴾ ، أي ليس كلُّ منْ وسَّعْتُ عليهِ وأكرمتُه
ونعَّمتُه ، يكونُ ذلك إكراماً مني له ، ولا كلُّ منْ ضيَّقتُ عليهِ رزقه
وابتليتُه ، يكونُ إهانةً مني له .
************************************
الكنوزُ
الباقيةُ
إنَّ المواهب الجزيلة والعطايا الجليلة ، هي
الكنوزُ الباقيةُ لأصحابها ، الراحلةُ معهمْ إلى دارِ المقامِ ، من الإسلامِ
والإيمانِ والإحسانِ والبر والتقُّى والهجرةِ والجهادِ والتوبة والإنابةِ : ﴿لَّيْسَ
الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... ﴾ إلى قولهِ
تعالى : ﴿ هُمُ
الْمُتَّقُونَ ﴾ .
**************************************
همَّةٌ
تنطحُ الثُّريَّا
إذا أُعطي العبدُ همَّةً كبرى ، ارتحلتْ بهِ في
دروبِ الفضائلِ ، وصعِدتْ بهِ في درجاتِ المعالي .
ومنْ سجايا الإسلامِ التَّحلِّي بكِبر الهمَّةِ
، وجلالةِ المقصودِ ، وسموِّ الهدفِ ، وعظمةِ الغايةِ . فالهمَّة هي مركزُ السالبِ
والموجبِ في شخصِك ، الرقيبُ على جوارحِك ، وهي الوقودُ الحسِّيُّ والطاقةُ الملتهبةُ
، التي تمدُّ صاحبها بالوثوبِ إلى المعالي والمسابقةِ إلى المحامِدِ . وكِبَرُ
الهمَّةِ يجلبُ لك . بإذن اللهِ خيْراً غير مجذوذٍ ، لترقى إلى درجاتِ الكمالِ ،
فيُجْرِي في عروقِك دم الشهامةِ ، والركْضِ في ميدانِ العلمِ والعملِ . فلا يراك
الناسُ واقفاً إلا على أبواب الفضائلِ ، ولا باسطاً يديْك إلا لمهمَّاتِ الأمورِ ،
تُنافسُ الرُّوَّاد في الفضائلِ ، وتُزاحمُ السَّادة في المزايا ، لا ترضى
بالدُّون ، ولا تقفُ في الأخيرِ ، ولا تقبلُ بالأقلِّ . وبالتحلِّي بالهِمَّةِ ،
يُسلبُ منك سفساف الآمال والأعمالِ ، ويُجتثُّ منك شجرةُ الذُّلِّ والهوانِ ،
والتملُّق ، والمداهنةِ ، فكبيرُ الهِمَّةُ ثابتُ الجأشِ ، لا تُرهبُه المواقفُ ،
وفاقدُها جبانٌ رِعديدٌ ، تُغلقُ فمه الفهاهةُ .
ولا تغلطْ فتخْلِط بين كِبرِ الهمة والكِبْر ،
فإن بينهما من الرْق كما بين السماء ذاتِ الرَّجعِ والأرضِ ذاتِ الصَّدْعِ ،
فكِبرُ الهمَّةِ تاجٌ على مفْرِق القلبِ الحُرِّ المثالي ، يسعى به دائماً وأبداً
إلى الطُّهرِ والقداسةِ والزِّيادة والفضلِ ، فكبيرُ الهمّةِ يتلمَّظُ على ما فاته
من محاسن ، ويتحسَّرُ على ما فقده من مآثِر ، فهو في حنينٍ مستمرٍّ ، ونهمٍ دؤوبٍ
للوصولِ إلى الغايةِ والنهايةِ .
كِبَرُ الهمَّةِ حِلْيةُ ورثةِ الأنبياءِ ،
والكِبْرُ داءُ المرضى بعلَّة الجبابرةِ البؤساءِ .
فكِبرُ الهمَّةِ تصعَدُ بصاحبِها أبداً إلى
الرُّقيِّ ، والكِبْرُ يهبطُ به دائماً إلى الحضيضِ . فيا طالب العلم ، ارسمْ
لنفسك كِبر الهمّةِ ، ولا تنفلتْ منها وقد أومأ الشرعُ إليها في فقهيَّاتٍ تُلابس
حياتك ، لتكون دائماً على يقظةٍ من اغتنامِها ، ومنها : إباحةُ التَّيمُّمِ
للمكلَّفٍ عند فقْدِ الماءِ ، وعدمُ إلزامهِ بقبُولِ هِبةٍ ثمن الماءِ للوضوءِ ،
لما في ذلك من المنَّةِ التي تنالُ من الهمَّة منالاً ، وعلى هذا فقيِسْ .
فالله الله في الاهتمامِ بالهمَّةِ ، وسلِّ
سيفِها في غمراتِ الحياةِ :
***************************************
قراءة
العقول
ممَّا يشرح الخاطر ويسُرُّ النَّفْس ، القراءةُ
والتأمُّلُ في عقولِ الأذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ ، فإنَّها متعةٌ يسلو بها المُطالعِ
لتلك الإشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ . وسيِّدُ العارفين وخيرةُ العالمين ،
رسولُنا r ، ولا
يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ ، لأنهُ مؤيَّدٌ بالوحْي ، مصدَّقٌ بالمعجزاتِ ،
مبعوثٌ بالآياتِ البيِّناتِ ، وهذا فوق ذكاءِ الأذكياء ولمُوع الأدباءِ .
***********************************
﴿ وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
قال أبقراطُ : « الإقلالُ
من الضَّارّ ، خيرٌ من الإكثارِ من النافعِ » . وقال : « استديموا
الصِّحَّة بترْكِ التَّكاسُلِ عن التعبِ ، وبتركِ الامتلاءِ من الطعامِ والشرابِ » .
وقال بعضُ الحكماءِ : « من
أراد الصحة : فليُجوِّد الغداء ، وليأكُلْ على نفاءٍ ، وليشربْ على ظماءٍ ،
وليُقلِّلْ من شُربِ الماءِ ، ويتمدَّدْ بعد الغداءِ ، ويتمشَّ بعد العشاءِ ، ولا ينمْ
حتى يعرض نفسهُ على الخلاءِ ، وليحْذرْ دخول الحمَّامِ عقيِب الامتلاء ، ومرَّةٌ
في الصيفِ خيرٌ من عشرٍ في الشتاءِ » .
وقال الحارثُ : « من
سرَّه البقاءُ – ولا بقاء – فليُباكِرِ الغداءَ ، وليُعجِّلِ العشاء ، ولُخفِّفِ
الرِّداء ، وليُقلَّ غِشيان النساءِ » .
وقال أفلاطون : « خمسٌ
يُذبْن البَدنَ ، وربما قَتَلْنَ : قِصَرُ ذاتِ اليدِ ، وفراقُ الأحبَّةِ ،
وتجرُّعُ المغايظِ ، وردُّ النُّصح ، وضحِكُ ذوي الجهلِ بالعقلاءِ » .
ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ : « كلُّ
كثيرٍ ، فهو مُعادٍ للطبيعةِ » .
وقيل لجالينوس : ما لك لا تمرضُ ؟ فقال : « لأني
لم أجمعْ بين طعاميْنِ رديئينِ ، ولم أُدخِل طعاماً على طعامٍ ، ولم أحبِسْ في
المعدةِ طعاماً تأذَّيتُ منه » .
وأربعةُ أشياء تُمرضُ الجسْم : الكلامُ الكثيرُ
، والنومُ الكثيرُ ، والأكلُ الكثيرُ ، والجماعُ الكثيرُ . فالكلامُ الكثيرُ :
يقلِّل مُخَّ الدِّماغِ ويُضعفُه ، ويعجِّلُ الشَّيْب . والنومُ الكثيرُ : يصفِّرُ
الوجه ، ويُعمي القلب ، ويُهيِّجُ العين ، ويُكسلُ عن العملِ ، ويولِّدُ الغليظة ،
والأدواء العسِرة . والجماعُ الكثيرُ : يَهُدُّ الَبَدنَ ، ويُضعفُ القُوى ،
ويُجفِّفُ رُطُوبات البدنِ ، ويُرخي العصبَ ، ويُورثُ السُّدَدَ ، ويعُمُّ ضررُهُ
جميع البدنِ ، ونخفضُّ الدِّماغ لكثْرةِ ما يتحلَّلُ منهُ من الرُّوحِ النَّفساني
. ولإضعافُهُ أكثر من إضعافِ جميعِ المستفرغاتِ ، ويستفرِغ من جوهرِ الرُّوحِ
شيئاً كثيراً .
أربعةٌ تهدم البدن : الهمُّ ، والحزنُ ،
والجوعُ ، والسَّهرُ .
وأربعة تُفرحُ : النَّظرُ إلى الخُضرةِ ، وإلى
الماءِ الجاري ، والمحبوبِ ، والثمارِ .
وأربعة تُظلِم البصر : المشْيُ حافياً ،
والتَّصبُّحُ والإمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ ، وكثْرةُ البُكاءِ ،
وكثرةًُ النَّظرِ في الخطِّ الدِّقيقِ .
وأربعةٌ تقوِّي الجسم : لُبْسُ الناعمِ ،
ودخولِ الحمَّامِ المعتدلِ ، وأكلُ الطعامِ الحلوِ والدَّسمِ ، وشمُّ الروائحِ
الطيَّبةِ .
وأربعةٌ تُيبِّس الوجه، وتُذهبُ ماءه وبهجتهُ
وطلاقَتَهُ : الكذِبُ ، والوقاحةُ ، وكثْرةُ السؤالِ عن غيرِ علمٍ ، وكثْرةُ
الفجورِ .
وأربعةٌ تزيدُ في ماءِ الوجه وبهجتِه :
المروءةُ ، والوفُاء ، والكرمُ ، والتقوى .
وأربعةٌ تجلبُ البغضاء والمقْتَ : الكِبْرُ ،
والحسدُ ، والكَذِبُ ، والنَّميمةُ .
وأربعةٌ تجلبُ الرزق : قيامُ الليلِ ، وكثْرةُ
الاستغفارِ بالأسحارِ ، وتعاهُدُ الصدقةِ ، والذِّكْر أول النهارِ وآخِره .
وأربعةٌ تمنعُ الرزق : نومُ الصُّبحة ، وقلِّةُ
الصلاةِ ، والكسلُ ، والخيانةُ .
وأربعةٌ تُضرُّ بالفهمِ والذهنِ : إدمانُ أكْلِ
الحامضِ والفواكهِ ، والنومُ على القفا ، والهمُّ ، والغمُّ .
وأربعةٌ تزيدُ في الفهم : فراغُ القلبِ ،
وقلَّةُ التَّملِّي من الطعام والشرابِ ، وحُسْنِ تدبيرِ الغذاءِ بالأشياءِ
الحُلوةِ والدَّسِمةِ ، وإخراجُ الفضلاتِ المثقِّلةِ للبَدنِ .
**************************************
خُذُوا
حِذْركمْ
فالحازم يتوقَّفُ
حتى يرى ويبصر ، ويترقَّب ، ويتأمَّل ، ويُعيدَ النظر ، ويقرأ العواقب ، ويقدِّر
الخطواتِ ، ويُبرم الرأي ، ويحتاط ويَحْذر ، لئلاَّ يندم ، فإن وقع الأمرُ على ما
أراد ، حَمِدَ الله ، وشكر رأيه ، وإن كانتِ الأُخرى ، قال : قدرَّ اللهُ ، وما
شاء فَعَلَ . ورضي ولم يحزنْ .
*******************************************
ابتلاءٌ
وكذلك الكراماتُ امتحانٌ وابتلاءٌ ، كالمُلْكِ
والسُّلطانِ والمالِ ، قال تعالى عنْ نبيِّه سليمان لمَّا رأى عِرش بلقيس عنده : ﴿ هَذَا مِن
فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ ، فهو
سبحانه يُسْدِي النعمة ليرى منْ قبِلها بقبُولٍ حسن ، وشكرها وحفظها ، وثمَّرها
وانتفع ونفع بها ، ومنْ أهلها وعطَّلها ، وكفرهاً وصرفها في مُحاربةِ المعطي ،
واستعان بها في مُحادّةِ الواهبِ جلِّ في عُلاهُ .
فالنِّعمُ ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ ، يظهرُ
بها شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ . كما أنَّ المحنَ منهُ سبحانه ، فهو يبتلي
بالنعمِ كما يبتلي بالمصائبِ قال تعالى : ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ
رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ{15} وَأَمَّا إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ{16} كَلَّا
....
﴾ ، أي ليس كلُّ منْ وسَّعْتُ عليهِ وأكرمتُه
ونعَّمتُه ، يكونُ ذلك إكراماً مني له ، ولا كلُّ منْ ضيَّقتُ عليهِ رزقه
وابتليتُه ، يكونُ إهانةً مني له .
************************************
الكنوزُ
الباقيةُ
إنَّ المواهب الجزيلة والعطايا الجليلة ، هي
الكنوزُ الباقيةُ لأصحابها ، الراحلةُ معهمْ إلى دارِ المقامِ ، من الإسلامِ
والإيمانِ والإحسانِ والبر والتقُّى والهجرةِ والجهادِ والتوبة والإنابةِ : ﴿لَّيْسَ
الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... ﴾ إلى قولهِ
تعالى : ﴿ هُمُ
الْمُتَّقُونَ ﴾ .
**************************************
همَّةٌ
تنطحُ الثُّريَّا
إذا أُعطي العبدُ همَّةً كبرى ، ارتحلتْ بهِ في
دروبِ الفضائلِ ، وصعِدتْ بهِ في درجاتِ المعالي .
ومنْ سجايا الإسلامِ التَّحلِّي بكِبر الهمَّةِ
، وجلالةِ المقصودِ ، وسموِّ الهدفِ ، وعظمةِ الغايةِ . فالهمَّة هي مركزُ السالبِ
والموجبِ في شخصِك ، الرقيبُ على جوارحِك ، وهي الوقودُ الحسِّيُّ والطاقةُ الملتهبةُ
، التي تمدُّ صاحبها بالوثوبِ إلى المعالي والمسابقةِ إلى المحامِدِ . وكِبَرُ
الهمَّةِ يجلبُ لك . بإذن اللهِ خيْراً غير مجذوذٍ ، لترقى إلى درجاتِ الكمالِ ،
فيُجْرِي في عروقِك دم الشهامةِ ، والركْضِ في ميدانِ العلمِ والعملِ . فلا يراك
الناسُ واقفاً إلا على أبواب الفضائلِ ، ولا باسطاً يديْك إلا لمهمَّاتِ الأمورِ ،
تُنافسُ الرُّوَّاد في الفضائلِ ، وتُزاحمُ السَّادة في المزايا ، لا ترضى
بالدُّون ، ولا تقفُ في الأخيرِ ، ولا تقبلُ بالأقلِّ . وبالتحلِّي بالهِمَّةِ ،
يُسلبُ منك سفساف الآمال والأعمالِ ، ويُجتثُّ منك شجرةُ الذُّلِّ والهوانِ ،
والتملُّق ، والمداهنةِ ، فكبيرُ الهِمَّةُ ثابتُ الجأشِ ، لا تُرهبُه المواقفُ ،
وفاقدُها جبانٌ رِعديدٌ ، تُغلقُ فمه الفهاهةُ .
ولا تغلطْ فتخْلِط بين كِبرِ الهمة والكِبْر ،
فإن بينهما من الرْق كما بين السماء ذاتِ الرَّجعِ والأرضِ ذاتِ الصَّدْعِ ،
فكِبرُ الهمَّةِ تاجٌ على مفْرِق القلبِ الحُرِّ المثالي ، يسعى به دائماً وأبداً
إلى الطُّهرِ والقداسةِ والزِّيادة والفضلِ ، فكبيرُ الهمّةِ يتلمَّظُ على ما فاته
من محاسن ، ويتحسَّرُ على ما فقده من مآثِر ، فهو في حنينٍ مستمرٍّ ، ونهمٍ دؤوبٍ
للوصولِ إلى الغايةِ والنهايةِ .
كِبَرُ الهمَّةِ حِلْيةُ ورثةِ الأنبياءِ ،
والكِبْرُ داءُ المرضى بعلَّة الجبابرةِ البؤساءِ .
فكِبرُ الهمَّةِ تصعَدُ بصاحبِها أبداً إلى
الرُّقيِّ ، والكِبْرُ يهبطُ به دائماً إلى الحضيضِ . فيا طالب العلم ، ارسمْ
لنفسك كِبر الهمّةِ ، ولا تنفلتْ منها وقد أومأ الشرعُ إليها في فقهيَّاتٍ تُلابس
حياتك ، لتكون دائماً على يقظةٍ من اغتنامِها ، ومنها : إباحةُ التَّيمُّمِ
للمكلَّفٍ عند فقْدِ الماءِ ، وعدمُ إلزامهِ بقبُولِ هِبةٍ ثمن الماءِ للوضوءِ ،
لما في ذلك من المنَّةِ التي تنالُ من الهمَّة منالاً ، وعلى هذا فقيِسْ .
فالله الله في الاهتمامِ بالهمَّةِ ، وسلِّ
سيفِها في غمراتِ الحياةِ :
هو الجِدّث حتى تفضُل العينُ أختها | | وحتَّى يكون اليومُ لليومِ سيِّدا |
***************************************
قراءة
العقول
ممَّا يشرح الخاطر ويسُرُّ النَّفْس ، القراءةُ
والتأمُّلُ في عقولِ الأذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ ، فإنَّها متعةٌ يسلو بها المُطالعِ
لتلك الإشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ . وسيِّدُ العارفين وخيرةُ العالمين ،
رسولُنا r ، ولا
يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ ، لأنهُ مؤيَّدٌ بالوحْي ، مصدَّقٌ بالمعجزاتِ ،
مبعوثٌ بالآياتِ البيِّناتِ ، وهذا فوق ذكاءِ الأذكياء ولمُوع الأدباءِ .
***********************************
﴿ وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
قال أبقراطُ : « الإقلالُ
من الضَّارّ ، خيرٌ من الإكثارِ من النافعِ » . وقال : « استديموا
الصِّحَّة بترْكِ التَّكاسُلِ عن التعبِ ، وبتركِ الامتلاءِ من الطعامِ والشرابِ » .
وقال بعضُ الحكماءِ : « من
أراد الصحة : فليُجوِّد الغداء ، وليأكُلْ على نفاءٍ ، وليشربْ على ظماءٍ ،
وليُقلِّلْ من شُربِ الماءِ ، ويتمدَّدْ بعد الغداءِ ، ويتمشَّ بعد العشاءِ ، ولا ينمْ
حتى يعرض نفسهُ على الخلاءِ ، وليحْذرْ دخول الحمَّامِ عقيِب الامتلاء ، ومرَّةٌ
في الصيفِ خيرٌ من عشرٍ في الشتاءِ » .
وقال الحارثُ : « من
سرَّه البقاءُ – ولا بقاء – فليُباكِرِ الغداءَ ، وليُعجِّلِ العشاء ، ولُخفِّفِ
الرِّداء ، وليُقلَّ غِشيان النساءِ » .
وقال أفلاطون : « خمسٌ
يُذبْن البَدنَ ، وربما قَتَلْنَ : قِصَرُ ذاتِ اليدِ ، وفراقُ الأحبَّةِ ،
وتجرُّعُ المغايظِ ، وردُّ النُّصح ، وضحِكُ ذوي الجهلِ بالعقلاءِ » .
ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ : « كلُّ
كثيرٍ ، فهو مُعادٍ للطبيعةِ » .
وقيل لجالينوس : ما لك لا تمرضُ ؟ فقال : « لأني
لم أجمعْ بين طعاميْنِ رديئينِ ، ولم أُدخِل طعاماً على طعامٍ ، ولم أحبِسْ في
المعدةِ طعاماً تأذَّيتُ منه » .
وأربعةُ أشياء تُمرضُ الجسْم : الكلامُ الكثيرُ
، والنومُ الكثيرُ ، والأكلُ الكثيرُ ، والجماعُ الكثيرُ . فالكلامُ الكثيرُ :
يقلِّل مُخَّ الدِّماغِ ويُضعفُه ، ويعجِّلُ الشَّيْب . والنومُ الكثيرُ : يصفِّرُ
الوجه ، ويُعمي القلب ، ويُهيِّجُ العين ، ويُكسلُ عن العملِ ، ويولِّدُ الغليظة ،
والأدواء العسِرة . والجماعُ الكثيرُ : يَهُدُّ الَبَدنَ ، ويُضعفُ القُوى ،
ويُجفِّفُ رُطُوبات البدنِ ، ويُرخي العصبَ ، ويُورثُ السُّدَدَ ، ويعُمُّ ضررُهُ
جميع البدنِ ، ونخفضُّ الدِّماغ لكثْرةِ ما يتحلَّلُ منهُ من الرُّوحِ النَّفساني
. ولإضعافُهُ أكثر من إضعافِ جميعِ المستفرغاتِ ، ويستفرِغ من جوهرِ الرُّوحِ
شيئاً كثيراً .
أربعةٌ تهدم البدن : الهمُّ ، والحزنُ ،
والجوعُ ، والسَّهرُ .
وأربعة تُفرحُ : النَّظرُ إلى الخُضرةِ ، وإلى
الماءِ الجاري ، والمحبوبِ ، والثمارِ .
وأربعة تُظلِم البصر : المشْيُ حافياً ،
والتَّصبُّحُ والإمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ ، وكثْرةُ البُكاءِ ،
وكثرةًُ النَّظرِ في الخطِّ الدِّقيقِ .
وأربعةٌ تقوِّي الجسم : لُبْسُ الناعمِ ،
ودخولِ الحمَّامِ المعتدلِ ، وأكلُ الطعامِ الحلوِ والدَّسمِ ، وشمُّ الروائحِ
الطيَّبةِ .
وأربعةٌ تُيبِّس الوجه، وتُذهبُ ماءه وبهجتهُ
وطلاقَتَهُ : الكذِبُ ، والوقاحةُ ، وكثْرةُ السؤالِ عن غيرِ علمٍ ، وكثْرةُ
الفجورِ .
وأربعةٌ تزيدُ في ماءِ الوجه وبهجتِه :
المروءةُ ، والوفُاء ، والكرمُ ، والتقوى .
وأربعةٌ تجلبُ البغضاء والمقْتَ : الكِبْرُ ،
والحسدُ ، والكَذِبُ ، والنَّميمةُ .
وأربعةٌ تجلبُ الرزق : قيامُ الليلِ ، وكثْرةُ
الاستغفارِ بالأسحارِ ، وتعاهُدُ الصدقةِ ، والذِّكْر أول النهارِ وآخِره .
وأربعةٌ تمنعُ الرزق : نومُ الصُّبحة ، وقلِّةُ
الصلاةِ ، والكسلُ ، والخيانةُ .
وأربعةٌ تُضرُّ بالفهمِ والذهنِ : إدمانُ أكْلِ
الحامضِ والفواكهِ ، والنومُ على القفا ، والهمُّ ، والغمُّ .
وأربعةٌ تزيدُ في الفهم : فراغُ القلبِ ،
وقلَّةُ التَّملِّي من الطعام والشرابِ ، وحُسْنِ تدبيرِ الغذاءِ بالأشياءِ
الحُلوةِ والدَّسِمةِ ، وإخراجُ الفضلاتِ المثقِّلةِ للبَدنِ .
**************************************
خُذُوا
حِذْركمْ
فالحازم يتوقَّفُ
حتى يرى ويبصر ، ويترقَّب ، ويتأمَّل ، ويُعيدَ النظر ، ويقرأ العواقب ، ويقدِّر
الخطواتِ ، ويُبرم الرأي ، ويحتاط ويَحْذر ، لئلاَّ يندم ، فإن وقع الأمرُ على ما
أراد ، حَمِدَ الله ، وشكر رأيه ، وإن كانتِ الأُخرى ، قال : قدرَّ اللهُ ، وما
شاء فَعَلَ . ورضي ولم يحزنْ .
*******************************************