مِن
الإمارة إلى النجارة
عليُّ بنُ المأمون العباسي – أميرٌ وابنُ خليفة –
كان يسكنُ قصراً فخماً ، وعندهُ الدنيا مبذولةٌ ميسَّرةٌ ، فأطلَّ ذات يومٍ منْ
شرفةِ القصرِ ، فرأى عاملاً يكدحُ طِيلةَ النهارِ ، فإذا أضحى النهارُ توضَّأ
وصلَّى ركعتين على شاطئ دِجلة ، فإذا اقترب الغروبُ ذهب إلى أهلِه ، فدعاهُ يوماً
من الأيامِ فسألهُ فأخبره أن له زوجةً وأختين وأُمّاً يكدحُ عليهنَّ ، وأنه لا قوت
لهُ ولا دخل إلا ما يتكسبُه من السوقِ ، وأنه يصومُ كلَّ يومٍ ويُفطرُ مع الغروبِ
على ما يحصلُ ، قال : فهلْ تشكو منْ شيءٍ ؟ قال : لا والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .
فترك القصر ، وترك الإمارة ، وهام على وجههِ ، ووُجد ميتاً بعد سنواتٍ عديدةٍ وكان
يعملُ في الخشب جهة خرسان ؛ لأنهُ وجد السعادة في عملِه هذا ، ولم يجدْها في
القصرِ ، ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ
تَقْواهُمْ ﴾ .
يذكِّرني هذه بقصةِ أصحاب الكهفِ ، الذين كانوا في
القصور مع الملكِ ، فوجدُوا الضيقَ ، ووجدوا التشتُّتَ ، ووجدوا الاضطرابَ ؛ لأنَّ
الكفر يسكنُ القصر ، فذهبوا ، وقال قائلُهم : ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن
رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً
﴾ .
سَمُّ الخِياطِ مع الأحبابِ ميدانُ ...
والمعنى : أن المحلَّ الضيَّق
مع الحبِّ والإيمانِ ، ومع المودَّةِ يتَّسعُ ويتحمَّلُ الكثير ، ((جفانُنا
لضيوفِ الدار أجفانُ )) .
****************************************
الإمارة إلى النجارة
عليُّ بنُ المأمون العباسي – أميرٌ وابنُ خليفة –
كان يسكنُ قصراً فخماً ، وعندهُ الدنيا مبذولةٌ ميسَّرةٌ ، فأطلَّ ذات يومٍ منْ
شرفةِ القصرِ ، فرأى عاملاً يكدحُ طِيلةَ النهارِ ، فإذا أضحى النهارُ توضَّأ
وصلَّى ركعتين على شاطئ دِجلة ، فإذا اقترب الغروبُ ذهب إلى أهلِه ، فدعاهُ يوماً
من الأيامِ فسألهُ فأخبره أن له زوجةً وأختين وأُمّاً يكدحُ عليهنَّ ، وأنه لا قوت
لهُ ولا دخل إلا ما يتكسبُه من السوقِ ، وأنه يصومُ كلَّ يومٍ ويُفطرُ مع الغروبِ
على ما يحصلُ ، قال : فهلْ تشكو منْ شيءٍ ؟ قال : لا والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .
فترك القصر ، وترك الإمارة ، وهام على وجههِ ، ووُجد ميتاً بعد سنواتٍ عديدةٍ وكان
يعملُ في الخشب جهة خرسان ؛ لأنهُ وجد السعادة في عملِه هذا ، ولم يجدْها في
القصرِ ، ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ
تَقْواهُمْ ﴾ .
يذكِّرني هذه بقصةِ أصحاب الكهفِ ، الذين كانوا في
القصور مع الملكِ ، فوجدُوا الضيقَ ، ووجدوا التشتُّتَ ، ووجدوا الاضطرابَ ؛ لأنَّ
الكفر يسكنُ القصر ، فذهبوا ، وقال قائلُهم : ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن
رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً
﴾ .
لبيتٌ تخفقُ الأرياحُ فيهِ | | أحبُّ إليَّ مِنْ قصْرٍ منيفِ |
سَمُّ الخِياطِ مع الأحبابِ ميدانُ ...
والمعنى : أن المحلَّ الضيَّق
مع الحبِّ والإيمانِ ، ومع المودَّةِ يتَّسعُ ويتحمَّلُ الكثير ، ((جفانُنا
لضيوفِ الدار أجفانُ )) .
****************************************