﴿ أَفَلَا
يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾
يقولُ أيْنشتاين : مَنْ ينظرْ إلى الكونِ يعلمْ
أنَّ المبدع حكيمٌ لا يلعبُ بالنَّردِ . ﴿ الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ، ﴿ مَا
خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ ، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾.
والمعنىِ : أنَّ كلَّ شيءٍ
بِحُسْبانٍ وبحكمةٍ ، وبترتيبٍ وبنظامٍ ، يعلمُ منْ يرى هذا الكون أنَّ هناك إلهاً
قديراً لا يُجري الأمور مجازفةً ، جلَّ في علاهُ .
ثمَّ يقولُ سبحانهُ وتعالى : ﴿ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ ، ﴿ لَا
الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ
النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ .
**********************************
لا
يجدي الحِرْصُ
قال r : ((
لنْ تموتَ نفسٌ حتى تستكمل رزْقها وأجلَها )) . فلِم الجَزَعُ ؟!ولِم الهَلَعُ
؟! ولِم الحِرْصُ إذنْ ، إذا انتهى منْ هذا وفَرَغَ ؟! ﴿ وَكُلُّ
شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ ، ﴿وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ .
**************************************
الأزماتُ
تكفِّرُ عنك السيئاتِ
يُذكَرُ عن الشاعرِ ابن المعتزِّ أنهُ قال :
آللهُ ما أوطأ راحلةً المتوكل على اللهِ ، وما أسرع أوْبةَ الواثقِ باللهِ !! وقد
صحَّ عنهُ r أنهُ قال
: (( ما يصيبُ المؤمنَ منْ همٍّ ، ولا غمٍّ ، ولا وصبٍ ، ولا نصبٍ ، ولا مرضٍ ،
حتى الشوكةُ يُشاكُها ، إلا كفَّر اللهُ بها منْ خطاياهُ )) . فهذا لمن صبر
واحتسب وأناب ، وعَرَفَ أنهُ يتعاملُ مع الواحدِ الوهابِ .
قال المتنبي في أبياتٍ حكيمةٍ تضفي على العبدِ
قوةً وانشراحاً :
﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ .
**********************************
« حَسْبُنَا
اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ »
« حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » : قالها
إبراهيمُ لما أُلقي في النارِ ، فصارتْ بردْاً وسلاماً . وقال محمدٌ r في أُحُدٍ
، فنصره اللهُ .
لما وُضِع إبراهيمُ في المنجنيقِ قال له جبريلُ
: ألك إليَّ حاجةٌ ؟ فقال له إبراهيمُ : أمَّا إليك فلا ، وأمَّا إلى اللهِ
فَنَعَمْ !
البحرُ يُغْرقُ ، والنارُ تَحْرِقُ ، ولكن جفَّ
هذا ، وخمدتْ تلك ، بسبب : « حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » .
رأى موسى البحرَ أمامه والعدَّ خلفه ، فقال : ﴿ قَالَ
كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ . فنجا
بإذنِ اللهِ .
ذُكِر في السيرةِ أنَّ الرسول r لما دخل
الغار ، سخَّ الله الحمام فبنتْ عشّها ، والعنكبوت فبنت بيتها بفمِ الغارِ ، فقال
المشركون : ما دخل هنا محمدٌ .
إنها العنايةُ الربانيةُ إذا تلمَّحها العبدُ ،
ونظر أنَّ هناك ربّاً قديراً ناصراً وليّاً راحماً ، حينها يركنُ العبدُ إليه .
يقولُ شوقي :
﴿ فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنَا ﴾ ، ﴿ فَاللّهُ
خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ .
*************************************
مكوِّناتُ
السَّعادةِ
وعند الترمذيِّ عنهُ r : ((
منْ بات آمناً في سِرْبهِ ، معافىً في بدنه ، عندهُ قوتُ يومِهِ ، فكأنما حِيزَتْ
له الدنيا بحذافِيرِها )) .
والمعنى : إذا حصل على غذاءٍ ، وعلى مأوًى وكان
آمناً ، فقدْ حصل على أحسنِ السعاداتِ ، وأفضلِ الخيراتِ ، وهذا يحصلُ عليه كثيرٌ
من الناسِ ، لكنهمْ لا يذكرونه ، ولا ينظرون إليه ولا يلمسونه .
يقولُ سبحانه وتعالى لرسوله : ﴿ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ . فأيُّ نعمةٍ تمّتْ
على الرسولِ r ؟
أهي المادةُ ؟ أهو الغذاءُ ؟ أهي القصورُ
والدورُ والذهبُ والفِضَّةُ ، ولم يملكْ من ذلك شيئاً ؟
إنَّ هذا الرسول العظيم r كان ينامُ
في غرفةٍ منْ طينٍ ، سقفُها منْ جريدِ النخلِ ، ويربطُ حَجَريْنِ على بطنِهِ ،
ويتوسَّدُ على مخدَّةٍ منْ سَعَف النخلِ تؤثِّر في جنبهِ ، ورهن دِرْعهُ عند
يهوديٍّ في ثلاثين صاعاً منْ شعيرٍ، ويدورُ ثلاثة أيامٍ لا يجدُ رديء التمرِ
ليأكله ويشبع منه.
وقلتُ في قصيدةٍ أخرى :
﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَّكَ مِنَ الْأُولَى{4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ، ﴿ إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ .
***************************************
نَصَب
المَنْصِب
منْ متاعبِ الحياةِ المنصبُ ، قال ابنُ
الورديُّ :
والمعنى : انَّ ضريبةَ المنصبِ غاليةٌ ، إنها
تأخذُ ماء الوَجْهِ ، والصِّحِّة والراحةَ ، وقليلٌ مَنْ ينجو منْ تلك الضرائبِ
التي يدفعُها يوميّاً ، منْ عرقِهِ ، من دِمِ ، منْ سمعتِه ، من راحتِه ، منْ
عزتِه ، منْ شرفِه ، منْ كرامتِه ، ((لا تسألِ الإمارةَ)) . ((نِعْمَتِ
المرضعةُ وبِئست الفاطمةُ)) ﴿ هَلَكَ عَنِّي
سُلْطَانِيهْ ﴾ .
قال الشاعرُ :
قدِّرْ أنَّ الدنيا أتتْ بكل شيءٍ ، فإلى أي
شيء تذهبُ ؟ إلى الفناءِ ، ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ
رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ .
قال أحدُ الصالحين لابنه : لا تكنْ يا بُنيَّ
رأساً ، فإنَّ الرأس كثيرُ الأوجاعِ .
والمعنى : لا تُحِبَّ التصدُّرَ دائماً
والتَّرؤُّس ، فإنَّ الانتقاداتِ والشتائمِ والإحراجاتِ والضرائبِ لا تصلُ إلا إلى
هؤلاء المقدَّمين .
*****************************************
هيا
إلى الصلاة
﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ﴾ .
كان r إذا حزبه
أمرٌ فَزِع إلى الصلاةِ .
وكان يقولُ : (( أرِحنْا بها يا بلالُ ))
.
ويقولُ : (( جُعلت قرَّةُ عيني في الصلاةِ
)) .
إذا ضاق الصدرُ ، وصعُب الأمرُ ، وكثر المكْرُ
، فاهرعْ إلى المصلَّى فصلِّ .
إذا أظلمتْ في وجهِك الأيامُ ، واختلفتْ
الليالي ، وتغيَّرَ الأصحابُ ، فعليك بالصلاةِ .
كان النبيُّ r في
المهمَّاتِ العظيمةِ يشرحُ صدره بالصلاةِ ، كيومِ يدْرٍ والأحزابِ وغيرِها من
المواطنِ . وذكروا عنِ الحافظِ ابن حجرٍ صاحبِ ( الفتحِ ) أنه ذهب إلى القلعةِ بمصر
فأحط به اللصوصُ ، فقام يصلي ، ففرَّج اللهُ عنهُ .
وذكر ابنُ عساكر وابنُ القيمِ : أنَّ رجلاً من
الصالحين لقيه لصٌّ في إحدى طرقِ الشامِ ، فأجهز عليه ليقتله ، فطلب منه مهلةٍ
ليصلي ركعتين ، فقام فافتتح الصلاة ، وتذكَّرَ قول اللهِ تعالى : ﴿ أَمَّن
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ . فردَّدها ثلاثاً ، فنزل ملكٌ من
السماءِ بحربةٍ فَقَتَلَ المجرم ، وقال : أنا رسولُ منْ يجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ
. ﴿ وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ ، ﴿ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ ، ﴿ إِنَّ
الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ .
وإن ممَّا يشرحُ الصدر ، ويزيلُ الهمَّ والغمَّ
، الصلاةُ على الرسول r : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ .
صحَّ ذلك عند الترمذيِّ : أنَّ أُبَيَّ بن كعب –
رضي اللهُ عنهُ – قال : يا رسول اللهِ ، كمْ أجعلُ لك من صلاتي ؟ قال : (( ما
شئت )) . قال : الربع ؟ قال : (( ما شئت ، وإنْ زدت فخيْرٌ )) . قال :
الثُّلُثيْن ؟ قال : (( ما شئت ، وإنْ زدت فخيرٌ )) . قال : أجعلُ لك صلاتي
كلهَّا ؟ قال : (( إذنْ يُغفرُ ذنبُك ، وتُكْفى همُّك )) .
وهنا الشاهدُ ، أنْ الهمَّ يزولُ بالصلاةِ
والسلامِ على سيدِ الخلْقِ : (( منْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ
عليهِ بها عَشْراً )) . (( أكِثروا من الصلاةِ عليَّ ليلة الجمعةِ ويوم
الجمعةِ ، فإنَّ صلاتكمْ معروضةٌ عليَّ)) . قالوا : كيف تُعرضُ عليك صلاتُنا
وقدْ أرمْت ؟! -أي بليت- قال: ((إنَّ الله حرمَّ على الأرضِ أنْ تأكل أجساد
الأنبياءِ)) . إنَّ للذين يقتدون به r ويتّبعون
النور الذي أُنْزِلَ معهُ نصيباً من انشراحِ صدرِه وعُلوِّ قدرِه ورفعةِ ذكرهِ .
يقولُ
ابنُ تيمية : أكملُ الصلاةِ على الرسولِ r هي
الصلاةُ الإبراهيميةُ : اللهم صلِّ على محمدِ وعلى آل محمَّدٍ كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وباركْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركْت على
إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم في العالمين . إنك حميدٌ مجيدٌ .
****************************************
الصَّدَقةُ
سَعةٌ في الصَّدْرِ
ويدخلُ في عمومِ ما يجلبُ السعادة ويزيلُ
الهمَّ والكدر : فعلُ الإحسانِ ، من الصدقةِ والبِرُّ ولإسداءِ الخيرِ للناسِ ،
فإنَّ هذا منْ أحسنِ ما يُوسَّعُ بهِ الصَّدْرُ ، ﴿ أَنفِقُواْ
مِمَّا رَزَقْنَاكُم﴾ ، ﴿ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾ .
وقدْ وصف r البخيلُ
والكريمُ برجليْن عليهما جُبَّتانِ ، فلا يزالُ الكريمُ يُعطي ويبذلُ ، فتتوسَّعُ
عليه الجبَّةُ والدِّرْعُ من الحديدِ حتى يعفُوَ وأثرُه ، ولا يزالُ البخيلُ يمسكُ
ويمنعُ ، فتتقلَّص عليهِ ، فتخنقهُ حتى تضيق عليهِ روحهُ ! ﴿ وَمَثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً
مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ
أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ﴾ . وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَلاَ
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ .
إنَّ غلَّ الروحِ جزءٌ منْ غلِّ اليدِ ، وإنَّ
البخلاء أضيقُ الناسِ صدوراً وأخلاقاً ؛ لأنهم بخلُوا بفضلِ اللهِ عزَّ وجلَّ ،
ولو عملوا أنَّ ما يعطونه الناس إنما هو جلبٌ للسعادةِ ، لسارعوا إلى هذا الفعلِ
الخيِّرِ ، ﴿ إِن
تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ .
وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ ﴾ ، ﴿ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾
يقولُ حاتمُ :
إنَّ هذا الكريم يأمرُ امرأته أنْ تستضيف له
ضيوفاً ، وأن تنتظر روَّاده ليأكلوا معه ، ويؤانسوهُ ليشرح صدرهُ ، يقولُ :
ثمّ
يقولُ لها وهو يعلنُ فلسفته الواضحة ، وهي معادلةٌ حسابيةٌ سافرةٌ :
هلْ جمْعُ المالِ يزيدُ في عمرِ صاحبِه ؟ هلْ
إنفاقُهُ يُنقصُ من أجلِه ؟ ليس بصحيحٍ .
*****
يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾
يقولُ أيْنشتاين : مَنْ ينظرْ إلى الكونِ يعلمْ
أنَّ المبدع حكيمٌ لا يلعبُ بالنَّردِ . ﴿ الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ، ﴿ مَا
خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ ، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾.
والمعنىِ : أنَّ كلَّ شيءٍ
بِحُسْبانٍ وبحكمةٍ ، وبترتيبٍ وبنظامٍ ، يعلمُ منْ يرى هذا الكون أنَّ هناك إلهاً
قديراً لا يُجري الأمور مجازفةً ، جلَّ في علاهُ .
ثمَّ يقولُ سبحانهُ وتعالى : ﴿ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ ، ﴿ لَا
الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ
النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ .
**********************************
لا
يجدي الحِرْصُ
قال r : ((
لنْ تموتَ نفسٌ حتى تستكمل رزْقها وأجلَها )) . فلِم الجَزَعُ ؟!ولِم الهَلَعُ
؟! ولِم الحِرْصُ إذنْ ، إذا انتهى منْ هذا وفَرَغَ ؟! ﴿ وَكُلُّ
شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ ، ﴿وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ .
**************************************
الأزماتُ
تكفِّرُ عنك السيئاتِ
يُذكَرُ عن الشاعرِ ابن المعتزِّ أنهُ قال :
آللهُ ما أوطأ راحلةً المتوكل على اللهِ ، وما أسرع أوْبةَ الواثقِ باللهِ !! وقد
صحَّ عنهُ r أنهُ قال
: (( ما يصيبُ المؤمنَ منْ همٍّ ، ولا غمٍّ ، ولا وصبٍ ، ولا نصبٍ ، ولا مرضٍ ،
حتى الشوكةُ يُشاكُها ، إلا كفَّر اللهُ بها منْ خطاياهُ )) . فهذا لمن صبر
واحتسب وأناب ، وعَرَفَ أنهُ يتعاملُ مع الواحدِ الوهابِ .
قال المتنبي في أبياتٍ حكيمةٍ تضفي على العبدِ
قوةً وانشراحاً :
لا تلق دهرك إلا غيْرَ مكترثٍ | | ما دام يصحبُ فيهِ رُوحك البدنُ |
فما يُديمُ سُروراً ما سُرِرْت بهِ | | ولا يردُّ عليك الغائب الحزنُ |
﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ .
**********************************
« حَسْبُنَا
اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ »
« حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » : قالها
إبراهيمُ لما أُلقي في النارِ ، فصارتْ بردْاً وسلاماً . وقال محمدٌ r في أُحُدٍ
، فنصره اللهُ .
لما وُضِع إبراهيمُ في المنجنيقِ قال له جبريلُ
: ألك إليَّ حاجةٌ ؟ فقال له إبراهيمُ : أمَّا إليك فلا ، وأمَّا إلى اللهِ
فَنَعَمْ !
البحرُ يُغْرقُ ، والنارُ تَحْرِقُ ، ولكن جفَّ
هذا ، وخمدتْ تلك ، بسبب : « حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » .
رأى موسى البحرَ أمامه والعدَّ خلفه ، فقال : ﴿ قَالَ
كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ . فنجا
بإذنِ اللهِ .
ذُكِر في السيرةِ أنَّ الرسول r لما دخل
الغار ، سخَّ الله الحمام فبنتْ عشّها ، والعنكبوت فبنت بيتها بفمِ الغارِ ، فقال
المشركون : ما دخل هنا محمدٌ .
ظنُّوا الحمام وظنُّوا العنكبوت على | | خيرِ البريةِ لم تنسِخْ ولم تَحُمِ |
عنايةُ اللهِ أغنيتْ عنْ مضاعفةٍ | | من الدروعِ وعنْ عالٍ من الأُطمُِ |
إنها العنايةُ الربانيةُ إذا تلمَّحها العبدُ ،
ونظر أنَّ هناك ربّاً قديراً ناصراً وليّاً راحماً ، حينها يركنُ العبدُ إليه .
يقولُ شوقي :
وإذا العنايةُ لاحظتْكَ عيونُها | | نمْ فالحوادثُ كُلُّهن أمانُ |
﴿ فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنَا ﴾ ، ﴿ فَاللّهُ
خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ .
*************************************
مكوِّناتُ
السَّعادةِ
وعند الترمذيِّ عنهُ r : ((
منْ بات آمناً في سِرْبهِ ، معافىً في بدنه ، عندهُ قوتُ يومِهِ ، فكأنما حِيزَتْ
له الدنيا بحذافِيرِها )) .
والمعنى : إذا حصل على غذاءٍ ، وعلى مأوًى وكان
آمناً ، فقدْ حصل على أحسنِ السعاداتِ ، وأفضلِ الخيراتِ ، وهذا يحصلُ عليه كثيرٌ
من الناسِ ، لكنهمْ لا يذكرونه ، ولا ينظرون إليه ولا يلمسونه .
يقولُ سبحانه وتعالى لرسوله : ﴿ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ . فأيُّ نعمةٍ تمّتْ
على الرسولِ r ؟
أهي المادةُ ؟ أهو الغذاءُ ؟ أهي القصورُ
والدورُ والذهبُ والفِضَّةُ ، ولم يملكْ من ذلك شيئاً ؟
إنَّ هذا الرسول العظيم r كان ينامُ
في غرفةٍ منْ طينٍ ، سقفُها منْ جريدِ النخلِ ، ويربطُ حَجَريْنِ على بطنِهِ ،
ويتوسَّدُ على مخدَّةٍ منْ سَعَف النخلِ تؤثِّر في جنبهِ ، ورهن دِرْعهُ عند
يهوديٍّ في ثلاثين صاعاً منْ شعيرٍ، ويدورُ ثلاثة أيامٍ لا يجدُ رديء التمرِ
ليأكله ويشبع منه.
مِت ودرعُك مرهونٌ على شظفٍ | | من الشَّعيرِ وأبقى رهَكَ الأجلُ |
لأنَّ فيك معاني اليُتْمِ أعذبُهُ | | حتى دُعيت أبا الأيتامِ يا بَطَلُ |
وقلتُ في قصيدةٍ أخرى :
كفاك عنْ كلِّ قصرٍ شاهقٍ عمدٍ | | بيتٌ من الطينِ أو كهفٌ من العلمِ |
تبني الفضائل أبراجاً مشيَّدةً | | نُصْيَ الخيامِ التي منْ أروعِ الخيمِ |
﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَّكَ مِنَ الْأُولَى{4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ، ﴿ إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ .
***************************************
نَصَب
المَنْصِب
منْ متاعبِ الحياةِ المنصبُ ، قال ابنُ
الورديُّ :
نصبُ المنصبِ أوهي جَلَدي | | يا عنائي منْ مداراةِ السفَلْ |
والمعنى : انَّ ضريبةَ المنصبِ غاليةٌ ، إنها
تأخذُ ماء الوَجْهِ ، والصِّحِّة والراحةَ ، وقليلٌ مَنْ ينجو منْ تلك الضرائبِ
التي يدفعُها يوميّاً ، منْ عرقِهِ ، من دِمِ ، منْ سمعتِه ، من راحتِه ، منْ
عزتِه ، منْ شرفِه ، منْ كرامتِه ، ((لا تسألِ الإمارةَ)) . ((نِعْمَتِ
المرضعةُ وبِئست الفاطمةُ)) ﴿ هَلَكَ عَنِّي
سُلْطَانِيهْ ﴾ .
قال الشاعرُ :
هبِ الدنيا تصيرُ غليك عفواً | | أليس مصيرُ ذلك للزوالِ ؟! |
قدِّرْ أنَّ الدنيا أتتْ بكل شيءٍ ، فإلى أي
شيء تذهبُ ؟ إلى الفناءِ ، ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ
رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ .
قال أحدُ الصالحين لابنه : لا تكنْ يا بُنيَّ
رأساً ، فإنَّ الرأس كثيرُ الأوجاعِ .
والمعنى : لا تُحِبَّ التصدُّرَ دائماً
والتَّرؤُّس ، فإنَّ الانتقاداتِ والشتائمِ والإحراجاتِ والضرائبِ لا تصلُ إلا إلى
هؤلاء المقدَّمين .
إنَّ نصف الناسِ أعداءٌ لمِنْ | | ولي السلْطة هذا إنْ عدلْ |
*****************************************
هيا
إلى الصلاة
﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ﴾ .
كان r إذا حزبه
أمرٌ فَزِع إلى الصلاةِ .
وكان يقولُ : (( أرِحنْا بها يا بلالُ ))
.
ويقولُ : (( جُعلت قرَّةُ عيني في الصلاةِ
)) .
إذا ضاق الصدرُ ، وصعُب الأمرُ ، وكثر المكْرُ
، فاهرعْ إلى المصلَّى فصلِّ .
إذا أظلمتْ في وجهِك الأيامُ ، واختلفتْ
الليالي ، وتغيَّرَ الأصحابُ ، فعليك بالصلاةِ .
كان النبيُّ r في
المهمَّاتِ العظيمةِ يشرحُ صدره بالصلاةِ ، كيومِ يدْرٍ والأحزابِ وغيرِها من
المواطنِ . وذكروا عنِ الحافظِ ابن حجرٍ صاحبِ ( الفتحِ ) أنه ذهب إلى القلعةِ بمصر
فأحط به اللصوصُ ، فقام يصلي ، ففرَّج اللهُ عنهُ .
وذكر ابنُ عساكر وابنُ القيمِ : أنَّ رجلاً من
الصالحين لقيه لصٌّ في إحدى طرقِ الشامِ ، فأجهز عليه ليقتله ، فطلب منه مهلةٍ
ليصلي ركعتين ، فقام فافتتح الصلاة ، وتذكَّرَ قول اللهِ تعالى : ﴿ أَمَّن
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ . فردَّدها ثلاثاً ، فنزل ملكٌ من
السماءِ بحربةٍ فَقَتَلَ المجرم ، وقال : أنا رسولُ منْ يجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ
. ﴿ وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ ، ﴿ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ ، ﴿ إِنَّ
الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ .
وإن ممَّا يشرحُ الصدر ، ويزيلُ الهمَّ والغمَّ
، الصلاةُ على الرسول r : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ .
صحَّ ذلك عند الترمذيِّ : أنَّ أُبَيَّ بن كعب –
رضي اللهُ عنهُ – قال : يا رسول اللهِ ، كمْ أجعلُ لك من صلاتي ؟ قال : (( ما
شئت )) . قال : الربع ؟ قال : (( ما شئت ، وإنْ زدت فخيْرٌ )) . قال :
الثُّلُثيْن ؟ قال : (( ما شئت ، وإنْ زدت فخيرٌ )) . قال : أجعلُ لك صلاتي
كلهَّا ؟ قال : (( إذنْ يُغفرُ ذنبُك ، وتُكْفى همُّك )) .
وهنا الشاهدُ ، أنْ الهمَّ يزولُ بالصلاةِ
والسلامِ على سيدِ الخلْقِ : (( منْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ
عليهِ بها عَشْراً )) . (( أكِثروا من الصلاةِ عليَّ ليلة الجمعةِ ويوم
الجمعةِ ، فإنَّ صلاتكمْ معروضةٌ عليَّ)) . قالوا : كيف تُعرضُ عليك صلاتُنا
وقدْ أرمْت ؟! -أي بليت- قال: ((إنَّ الله حرمَّ على الأرضِ أنْ تأكل أجساد
الأنبياءِ)) . إنَّ للذين يقتدون به r ويتّبعون
النور الذي أُنْزِلَ معهُ نصيباً من انشراحِ صدرِه وعُلوِّ قدرِه ورفعةِ ذكرهِ .
يقولُ
ابنُ تيمية : أكملُ الصلاةِ على الرسولِ r هي
الصلاةُ الإبراهيميةُ : اللهم صلِّ على محمدِ وعلى آل محمَّدٍ كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وباركْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركْت على
إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم في العالمين . إنك حميدٌ مجيدٌ .
نسينا في ودادِك كُلَّ غالِ | | فأنت اليومَ أغلى ما لَدَيْنَا |
نُلامُ على محبَّتِكمْ ويكفي | | لنا شرفاً نلامُ وما علينا |
****************************************
الصَّدَقةُ
سَعةٌ في الصَّدْرِ
ويدخلُ في عمومِ ما يجلبُ السعادة ويزيلُ
الهمَّ والكدر : فعلُ الإحسانِ ، من الصدقةِ والبِرُّ ولإسداءِ الخيرِ للناسِ ،
فإنَّ هذا منْ أحسنِ ما يُوسَّعُ بهِ الصَّدْرُ ، ﴿ أَنفِقُواْ
مِمَّا رَزَقْنَاكُم﴾ ، ﴿ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾ .
وقدْ وصف r البخيلُ
والكريمُ برجليْن عليهما جُبَّتانِ ، فلا يزالُ الكريمُ يُعطي ويبذلُ ، فتتوسَّعُ
عليه الجبَّةُ والدِّرْعُ من الحديدِ حتى يعفُوَ وأثرُه ، ولا يزالُ البخيلُ يمسكُ
ويمنعُ ، فتتقلَّص عليهِ ، فتخنقهُ حتى تضيق عليهِ روحهُ ! ﴿ وَمَثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً
مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ
أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ﴾ . وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَلاَ
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ .
إنَّ غلَّ الروحِ جزءٌ منْ غلِّ اليدِ ، وإنَّ
البخلاء أضيقُ الناسِ صدوراً وأخلاقاً ؛ لأنهم بخلُوا بفضلِ اللهِ عزَّ وجلَّ ،
ولو عملوا أنَّ ما يعطونه الناس إنما هو جلبٌ للسعادةِ ، لسارعوا إلى هذا الفعلِ
الخيِّرِ ، ﴿ إِن
تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ .
وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ ﴾ ، ﴿ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾
اللهُ أعطاك فابذلْ مِنْ عطيتهِ | | فالمالُ عاريةٌ والعمرُ رحَّالُ |
المالُ كالماءِ إنْ تحبسْ سواقِيهُ | | يأسنْ يجرِ يعذُبْ منه سلسالُ |
يقولُ حاتمُ :
أما والذي لا يعلمُ الغيب غيرهُ | | ويُحيي العظام البيض وهي رميمُ |
لقدْ كنتُ أطوي البطن والزادُ يُشتهى | | مخافة يومٍ أنْ يُقال لئيمُ |
إنَّ هذا الكريم يأمرُ امرأته أنْ تستضيف له
ضيوفاً ، وأن تنتظر روَّاده ليأكلوا معه ، ويؤانسوهُ ليشرح صدرهُ ، يقولُ :
إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ | | أكولاً فإني لستُ آكلُه وحدي |
ثمّ
يقولُ لها وهو يعلنُ فلسفته الواضحة ، وهي معادلةٌ حسابيةٌ سافرةٌ :
أريني كريماً مات مِنْ قبلِ حِينهِ | | فيرضى فؤادي أو بخيلاً مخلدَّا |
هلْ جمْعُ المالِ يزيدُ في عمرِ صاحبِه ؟ هلْ
إنفاقُهُ يُنقصُ من أجلِه ؟ ليس بصحيحٍ .
*****